الذكاء الاجتماعى ودوره فى التنمية البشرية (2)

قدرات المخ البشري الخارقة

يرى علم الأعصاب المعرفي أن العقل ينظم المعلومات التي ترد إليه عن طريق تشكيل نماذج عصبية تمثل هذه المعلومات، ويمكن استدعاؤها حين الطلب. هذه الطريقة في معالجة المعلومات تجعل العقل يتمتع بمزايا إيجابية في التفكير، منها الفعالية والسرعة في التعرف على المثيرات والتفاعل معها، في المقابل يكتسب العقل مع هذه النماذج، عيوباً محددة تؤثر على أدائه، وتجعله أسير هذه النماذج مما يحد من قدرات الإبداع لديه وانطلاقها. وتتلخص هذه العيوب في أن النماذج تميل إلى الرسوخ والثبات ــــــــــــــــ
( 1 ) الكاتب: م. أمجد قاسم المصدر: موقع آفاق تربوية وعلمية

مع الزمن ويصعب تغييرها والخروج من دائرة سيطرتها، كما أنها تتمركز حول نموذج معين وتصبح باقي النماذج تابعة له ويتكون ما يشبه حالة الاستقطاب، كما أن هذه النماذج تصبح مثل القوالب الجاهزة الجامدة
ويقع علاج ذلك على عاتق التعليم فلابد أن تركز البرامج التعليمية علي
تدريب العقول على التفكير والتحليل، ليكتسب العقل القدرة على توليد الأفكار وتحليلها ومناقشاتها مهما كانت قيمته..
يقول مارتين هايدجر: ” لم تكن آلات التكنولوجيا وأجهزتها القدرة على القتل هي أخطر ما يهدد الإنسان في صميمه، قانون التأطير يهدد الإنسان عندما ينكر عليه أن يطرق وحيا أكثر إبداعا ليخبر نداء حقيقة أكثر عمقا ” إن أكسير التقدم هو الإبداع، فالأمة التي تبدع وتطور من أداءها تنجز وتحتل مكاناً لائقاً بين الأمم.
يقول الدكتور عبد الوهاب المسيري في كتابه رحلتي الفكرية في البذور والجذور والثمر ” سيرة غير ذاتية غير موضوعية ” بحثاً في فكر نعوم تشومسكي : العقل هو أعمق البني . وهذا العقل ليس عقلا سلبياً ولا صفحة بيضاء، ولا يكتسب أفكاره تدريجياً ( بشكل تراكمي ) من البنية المحيطة به، ويدور في أنساق مغلقة مصمتة اختزالية، كما يرى السلوكيون، أنما هو عقل نشط فعال يمتلك إمكانيات إبداعية وملكات مفطورة كامنة فيه هي في واقع الأمر أشكال وبني قبلية تتبع قواعد معينة ذات مقدرة توليدية وتؤدي دوراً أساسياً في عملية اكتساب المعرفة. وهذا يعني أن الإنسان لا تتحكم فيه الدوافع الخارجية أو البيئية، وأن قدراته الإبداعية التوليدية تمنحه قدراً كبيراً من الاستقلال والحرية، أنه يدور في إطار أنساق مركبة مفتوحة تختلف عن الأنساق الطبيعية المغلقة “
***
يَستخدم التفكير الإبداعي طرقاً معينة، وبطريقة مقصودة، بهدف كسر أسس التفكير المنطقي الذي يعتبر هو الطريقة الطبيعية التي يعمل بها العقل، من أهم مبادئ التفكير تمييز الأفكار السائدة المستقطبة، والبحث عن رؤية جديدة للأشياء، والتخلص من السيطرة المتزمتة للتفكير التقليدي، وقد سادت بعض المفاهيم المغلوطة في المجال التعليمي لفترة طويلة عن الأنشطة الفكرية للمخ البشري، فقد اعتبرت إن من يتركز نشاطهم في النصف الأيسر من المخ يتسمون بالنشاط والخيال الواسع والمرح والفضول، هؤلاء تصيبهم نوبات من الإفراط في أحلام اليقظة ويعتبرون سيئو السلوك أو فوضويون أو مفرطون في النشاط على نحو مرضي أو بطيئون أو متخلفون، في كتاب قوة الذكاء الإبداعي يقول الكاتب توني بوزان:
( يعتبر البعض إن المفكرين والأكاديميين مثل ” إسحاق نيوتن وألبرت أينشتين” كانا يستخدمان النصف الأيسر من المخ على الدوام، أما الموسيقيون والفنانون أمثال ” بيتهوفن ومايكل انجلوا ” فكانوا يستخدمون ” النصف الأيمن ” على الدوام، وبمعنى آخر أنهم لم يستخدموا جميع إمكانيات مخهم مطلقاً وهذا خطأ كبير، فاستخدام نصفي المخ الأيسر والأيمن اللذين يتمتعان بقدرات خارقة و( إذا كان إبداعنا وذكاؤنا الكلي سيزداد باستخدام نصفي المخ، فإن عباقرة الإبداع العظام بالقطع كانوا يستخدمون نفس العملية الذهنية أي يستخدمون جميع أجزاء مخهم... ) كان ألبرت أينشتين مبدعاً عندما صاغ نظرية النسبية التي غيرت المفاهيم التي استقرت لقرنين، ورغم ضعفه في التحصيل الدراسي، كان يفضل أحلام اليقظة على الدراسة، وتم فصله من المدرسة، ورغم ذلك واصل بحثه وتأثر بالجانب الخيالي في الرياضيات وعلم الطبيعة، وقام بتطوير ألعابه الذهنية الإبداعية، وكانت بداية نظريته عندما تخيل نفسه على سطح الشمس، وانه انتزع أحد أشعتها، ثم سافر مبتعداً عنها بسرعة الضوء إلى نهاية الكون، وكانت المفاجأة عند وصوله المقدر إلى النهاية أنه وجد نفسه قد عاد إلى نقطة البداية، ورغم استحالة ذلك منطقياً، فأنت لا تسير في خط مستقيم إلى الأبد ثم ينتهي بك المطاف من حيث بدأت وبذلك وصل أينشتين إلى أن الكون الذي نعيش عليه منحن ومحدد، لقد توصل إلى ذلك بالمنطق والتحليل مع خياله الخصب، والرؤية المكتملة.. وكان بيتهوفن يكتب موسيقاه على سطور وفي تسلسل، وتقوم على الأرقام، وتوصف الموسيقى عموماً بأنها أقوى أنواع الرياضة البحتة..
كل ذكاء في جوهره يحمل لمعة إبداع، ( بعض البيولوجيين الاجتماعيين يشيرون إلي تفوق القلب علي العقل, في تلك اللحظات الحاسمة, عندما يحاولون تخمين, لماذا أعطي التطور العاطفة مثل هذا الدور الرئيسي في النفس الإنسانية, وهم يقولون إن عواطفنا هي التي ترشدنا في مواجهة المآزق والمهام الجسيمة لدرجة لا ينفع معها تركها للعقل وحده, مثل مواجهة الأخطار, أو خسارة أو فقدان شيء أو شخص عزيز وما يستتبع ذلك من حزن وألم , أو العمل بمثابرة لتحقيق هدف ما، علي الرغم من الإحباط, أو الارتباط بشخص بالزواج, أو بناء أسرة. إن كل عاطفة من عواطفنا توفر استعدادا متميزا للقيام بفعل ما, وكل منها يرشدنا إلي اتجاه أثبت فعالية للتعامل مع تحديات الحياة المتجددة. ولأن تلك المواقف اللانهائية تكررت مرارا علي مدي تاريخنا التطوري، فقد تجلت القيمة لذخيرتنا العاطفية في أنها أصبحت منطبعة في أعصابنا كنزعات داخلية وغريزية للقلب الإنساني. إن أي نظرية للطبيعة الإنسانية تتجاهل قوة تأثير العواطف هي نظرة ضيقة الأفق بشكل مؤسف. والواقع, أن اسم ” الجنس البشري ” ذاته ” Homo Sapiens ” أي الجنس المفكر, يعد تعبيراً خادعا في ضوء الرؤية والفهم الجديدين لموقع العواطف في حباتنا واللذين يطرحهما العلم الآن، وكما علمتنا خبرات الحياة فإن مشاعرنا غالبا ما تؤثر في كل صغيرة وكبيرة في حياتنا بأكثر مما يؤثر تفكيرنا عندما يتعلق الأمر بتشكيل مصائرنا وأفعالنا. ولقد غالينا كثيرا في التأكيد علي قيمة وأهمية العقلانية البحتة التي يقيسها معامل الذكاء (Inteligence Quotient) في حياة الإنسان. سواء كان هذا المقياس إلي الأفضل أو الأسوأ, فلن يحقق الذكاء شيئا لو كبح جماح العواطف. ) ( 1 )
إن العقل والقلب وكل أعضاء الجسم النفسية والعضوية بالتأكيد لا تعمل _____
( 1 ) EQ ( The Emotional Inteligence ) الذكاء العاطفي تأليف دانيال جولمان .. ترجمة ليلى الجبالي ( سلسلة عالم المعرفة )
منفردة، وتعرف الصحة ” النفسية / العضوية ” بالتوازن والانسجام بين أعضاء الجسم النفسية / العضوية، وإذا كان كل ذكاء في جوهره إبداع، فكل إبداع في عمقه درجة عالية من الوعي بالأنا وبالأخر، عندما يتوقف الوعي بالأخر توجد المشكلة، التي قد تتطور وتتفاقم إلى خلل في الاتزان النفسي والعصبي، وفي الأغلب الأعم تجر على أصحابها وعلى الآخرين المآسي، ويخلفون وراءهم ضحايا كثر، وإذا ما تتبعنا سير الطغاة المستبدين، نجدهم على درجة عالية من الغرور والجهل، تتضخم الأنا عندهم، حتى لا يروا غير أنفسهم، العالم والكون كله يبدأ من عنده وينتهي عنده وما ينطبق على الفرد ينطبق على المجتمع، توجد مجتمعات ( ثقافات أو تشكيلات حضارية بعض الديانات المحرفة ) تلغي الآخر، وتدَعيَّ امتلاك الحقيقة فاليهود يعتبرون الأغيار ” غير اليهودي ” في مرتبة أقل من البشر، يجوز قتلهم وسرقتهم واستحلال أعراضهم.

إرسال تعليق

0 تعليقات